أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (٢٨)} كما تقدم إيضاحه.
وقوله في هذه الآية:{مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} أي ما قدم من أعمال الكفر. ونسبة التقديم إلى خصوص اليد؛ لأن اليد أكثر مزاولة للأعمال من غيرها من الأعضاء، فنسبت الأعمال إليها على عادة العرب في كلامهم، وإن كانت الأعمال التي قدمها منها ما ليس باليد كالكفر باللسان والقلب، وغير ذلك من الأعمال التي لا تزاول باليد كالزنى.
وقد بينا في كتابنا (دفع إيهام الإضطراب عن آيات الكتاب) وجه الجمع بين قوله: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ... } الآية، وقوله:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} ونحو ذلك من الآيات. وأشهر أوجه الجمع في ذلك وجهان: أحدهما: أن كل من قال الله فيه: ومن أظلم ممن فعل كذا، لا أحد أظلم من واحد منهم. وإذا فهم متساوون في الظلم لا يفوق بعضهم فيه بعضًا، فلا إشكال في كون كل واحد منهم لا أحد أظلم منه. والثاني: أن صلة الموصول تعيِّنُ كل واحد في محله، وعليه فالمعنى في قوله:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا}. لا أحد أظلم ممن ذُكِّر فأعرض أظلم ممن ذُكِّر بآيات ربه فأعرض عنها. وفي قوله:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا}، لا أحد من المفترين أظلم ممن افترى على الله كذبًا، وهكذا. والأول أولى؛ لأنه جار على ظاهر القرآن ولا إشكال فيه. وممن اختاره أبو حيان في البحر.