للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه جعل على قلوب الظالمين المعرضين عن آيات الله إذا ذكروا بها أكِنَّة، أي: أغطية تغطي قلوبهم فتمنعها من إدراك ما ينفعهم مما ذُكِّروا به. وواحد الأكنة: كِنَان، وهو الغطاء. وأنه جعل في آذانهم وقرًا، أي: ثقلًا يمنعها من سماع ما ينفعهم من الآيات التي ذكروا بها. وهذا المعنى أوضحه الله تعالى في آيات أخر؛ كقوله: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ}، وقوله: {أَفَرَأَيتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً ... } الآية، وقوله تعالى: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَينَكَ وَبَينَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا (٤٥) وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا (٤٦) وقوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (٢٣) وقوله: {مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (٢٠)} والآيات بمثل ذلك كثيرة جدًّا.

فإن قيل: إذا كانوا لا يستطيعون السمع ولا يبصرون ولا يفقهون؛ لأن الله جعل الأكنة المانعة من الفهم على قلوبهم. والوَقْر الذي هو الثقل المانع من السمع في آذانهم فهم مجبورون. فما وجه تعذيبهم على شيء لا يستطيعون العدول عنه والانصراف إلى غيره؟!.

فالجواب: أن الله جل وعلا بين في آيات كثيرة من كتابه العظيم؛ أن تلك الموانع التي يجعلها على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم، كالختم والطبع والغشاوة والأكنة، ونحو ذلك؛ إنما جعلها عليهم جزاء وفاقًا لما بادروا إليه من الكفر وتكذيب الرسل