قراءة الجمهور هذه إشكال معروف، وهو أن المفاعلة تقتضي بحسب الوضع العربي اشتراك فاعلين في المصدر، واللَّه جل وعلا يدفع كل ما شاء من غير أن يكون له مدافع يدفع شيئًا.
والجواب: هو ما عرف من أن المفاعلة قد ترد بمعنى المجرد، نحو: جاوزت المكان بمعنى جزته، وعاقبت اللص، وسافرت، وعافاك الله، ونحو ذلك، فإن فاعل في جميع ذلك بمعنى المجرد، وعليه فقوله: يدافع، بمعنى: يدفع، كما دلت عليه قراءة ابن كثير وأبي عمرو.
وقال الزمخشري: ومن قرأ يدافع فمعناه: يبالغ في الدفع عنهم، كما يبالغ من يغالب فيه؛ لأن فعل المغالب يجيء أقوى وأبلغ. اهـ منه.
ولا يبعد عندي أن يكون وجه المفاعلة أن الكفار يستعملون كل ما في إمكانهم لإِضرارهم بالمؤمنين، وإيذائهم، واللَّه جل وعلا يدفع كيدهم عن المؤمنين، فكان دفعه جل وعلا لقوة عظيمة أهلها في طغيان شديد، يحاولون إلحاق الضرر بالمؤمنين. وبهذا الاعتبار كان التعبير بالمفاعلة في قوله:(يدافع)، وإن كان جل وعلا قادرًا على إهلاكهم، ودفع شرهم عن عباده المؤمنين. ومما يوضح هذا المعنى الذي أشرنا إليه قول كعب بن مالك رضي الله عنه:
زعمت سخينة أن ستغلب ربها ... وليغلبن مغالب الغلاب
والعلم عند الله تعالى. ومفعول (يدافع) محذوف، فعلى القول بأنه بمعنى: يدفع فقد ذكرنا تقديره، وعلى ما أشرنا إليه أخيرًا فتقدير المفعول: يدافع عنهم أعداءهم، وخصومهم فيرد كيدهم في نحورهم.