للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{مَجْمَعَ بَينِهِمَا} عائد إلى {الْبَحْرَينِ} المذكورين في قوله تعالى: {لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَينِ ..} الآية. والمجمع: اسم مكان على القياس، أي مكان اجتماعهما.

والعلماء مختلفون في تعيين {الْبَحْرَينِ} المذكورين. فذهب أكثرهم إلى أنهما بحر فارس مما يلي المشرق، وبحر الروم مما يلي المغرب. وقال محمد بن كعب القرظي: {مَجْمَعَ بَينِهِمَا} عند طنجة في أقصى بلاد المغرب. وروى ابن أبي حاتم من طريق السدي قال: هما الكر والرس حيث يصبان في البحر. وقال ابن عطية: {مَجْمَعَ بَينِهِمَا} ذراع في أرض فارس من جهة أذربيجان، يخرج من البحر المحيط من شماله إلى جنوبه، وطرفيه مما يلي بر الشام. وقيل: هما بحر الأردن والقلزم. وعن ابن المبارك قال: قال بعضهم: بحر أرمينية. وعن أبي بن كعب قال: بإفريقية. إلى غير ذلك من الأقوال. ومعلوم أن تعيين {الْبَحْرَينِ} من النوع الذي قدمنا أنه لا دليل عليه من كتاب ولا سنة، وليس في معرفته فائدة، فالبحث عنه تعب لا طائل تحته، وليس عليه دليل يجب الرجوع إليه. وزَعْمُ بعضِ الملاحدة الكفرة المعاصرين: أن موسى لم يسافر إلى مجمع بحرين، بدعوى أنه لم يعرف ذلك في تاريخه = زَعْمٌ في غاية الكذب والبطلان، ويكفي في القطع بذلك أنه مناقض لقوله تعالى: {فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَينِهِمَا .. } الآية، مع التصريح بأنه سفر فيه مشقة وتعب، وذلك لا يكون إلا في بعيد السفر، ولذا قال تعالى عن موسى: {لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا (٦٢)}. ومعلوم أن ما ناقض القرآن فهو باطل؛ لأن نقيض الحق باطل بإجماع العقلاء لاستحالة صدق النقيضين معًا.