واختلف في وقت العصمة؛ فقالت الرافضة: من وقت مولدهم. وقال كثير من المعتزلة: من وقت النبوة. والمختار عندنا أنه لم يصدر عنهم ذنب حالة النبوة البتة لا للكبيرة ولا الصغيرة؛ لأنهم لو صدر عنهم الذنب لكانوا أقل درجة من عصاة الأمة لعظيم شرفهم وذلك محال، ولئلا يكونوا غير مقبولي الشهادة، ولئلا يجب زجرهم وإيذاؤهم، ولئلا يقتدى بهم في ذلك، ولئلا يكونوا مستحقين للعقاب، ولئلا يفعلوا ضد ما أمروا به لأنهم مصطفون، ولأن إبليس استثناهم في الإغواء. انتهى ما لخصناه من المنتخب، والقول في الدلائل لهذه المذاهب. وفي إبطال ما ينبغي إبطاله منها مذكور في كتب أصول الدين. انتهى كلام أبي حيان.
وحاصل كلام الأصوليين في هذه المسألة: عصمتهم من الكفر وفي كل ما يتعلق بالتبليغ، ومن الكبائر وصغائر الخسة كسرقة لقمة وتطفيف حبة. وأن أكثر أهل الأصول على جواز وقوع للصغائر غير صغائر الخسة منهم. ولكن جماعة كثيرة من متأخري الأصوليين اختاروا أن ذلك وإن جاز عقلًا لم يقع فعلًا، وقالوا: إن ما جاء في الكتاب والسنة من ذلك إنما فعلوه بتأويل أو نسيانًا أو سهوًا، أو نحو ذلك.
قال مقيده -عفا الله عنه وغفر له-: الذي يظهر لنا أنه الصواب في هذه المسألة: أن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم لم يقع منهم ما يزرى بمراتبهم العلية، ومناصبهم السامية. ولا يستوجب خطأ منهم ولا نقصًا فيهم صلوات الله وسلامه عليهم، ولو فرضنا أنه وقع منهم بعض الذنوب إلا أنهم يتداركون ما وقع منهم بالتوبة، والإخلاص، وصدق الإنابة إلى الله حتى ينالوا بذلك