للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جعل الأكنة على قلوبهم؛ لأن الآيات الماضية دلت على أن الطبع الذي يعبر عنه تارة بالطبع، وتارة بالختم، وتارة بالأكنة، ونحو ذلك؛ سببه الأول الإعراض عن آيات الله والكفر بها كما تقدم إيضاحه.

وفي هذه الآية الكريمة سؤالان معروفان: الأول: أن يقال: ما مفسر الضمير في قوله: {أَنْ يَفْقَهُوهُ} وقد قدمنا أنه الآيات في قوله: {ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ} بتضمين الآيات معنى القرآن. فقوله: {أَنْ يَفْقَهُوهُ} أي: القرآن المعبر عنه بالآيات كما تقدم إيضاحه قريبًا.

السؤال الثاني: أن يقال: ما وجه إفراد الضمير في قوله: {ذُكِّرَ}، وقوله: {فَأَعْرَضَ عَنْهَا}، وقوله: {وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} مع الإتيان بصيغة الجمع في الضمير في قوله: {إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا} مع أن مفسر جميع الضمائر المذكورة واحد، وهو الاسم الموصول في قوله: {مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ .. } الآية.

والجواب: هو أن الإفراد باعتبار لفظ "من" والجمع باعتبار معناها؛ وهو كثير في القرآن العظيم. والتحقيق في مثل ذلك جواز مراعاة اللفظ تارة، ومراعاة المعنى تارة أخرى مطلقًا؛ خلافًا لمن زعم أن مراعاة اللفظ بعد مراعاة المعنى لا تصح؛ والدليل على صحته قوله تعالى: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا (١١)} فإنه في هذه الآية الكريمة راعى لفظ {وَمَن} أولًا فأفرد الضمير في قوله: {يُؤْمِن}، وقوله: {وَيَعْمَلْ}، وقوله: {يُدْخِلْهُ}، وراعى المعنى في قوله: {خَالِدِينَ}