وإذا علمت أن التحقيق أن الضمير في: صرفناه عائد إلى ماء المطر.
فاعلم أن المعنى: ولقد صرفنا ماء المطر بين الناس فأنزلنا مطرًا كثيرًا في بعض السنين على بعض البلاد، ومنعنا المطر في بعض السنين عن بعض البلاد، فيكثر الخصب في بعضها، والجدب في بعضها الآخر.
وقوله:{لِيَذَّكَّرُوا} أي: صرفناه بينهم؛ لأجل أن يتذكروا، أي: يتذكر الذين أخصبت أرضهم؛ لكثرة المطر نعمة الله عليهم، فيشكروا له، ويتذكر الذين أجدبت أرضهم ما نزل بهم من البلاء، فيبادروا بالتوبة إلى الله جلَّ وعلا، ليرحمهم ويسقيهم.
وقوله: {فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (٨٩)} أي: كفرًا لنعمة من أنزل عليهم المطر، وذلك بقولهم: مطرنا بنوء كذا.
وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة أشار له جلَّ وعلا في سورة الواقعة في قوله تعالى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (٨٢)} فقوله: رزقكم، أي: المطر، كما قال تعالى:{وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا}، وقوله: {أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (٨٢)} أي: بقولكم: مطرنا بنوء كذا. ويزيد هذا إيضاحًا الحديث الثابت في صحيح مسلم، وقد قدمناه بسنده ومتنه مستوفى، وهو أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابه يومًا على أثر سماء أصابتهم من الليل:"أتدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذاك مؤمن بي كافر بالكوكب. وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذاك كافر بي مؤمن بالكوكب".