إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (١٢٣) لَأُقَطِّعَنَّ أَيدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (١٢٤)} وقوله في "طه": {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} يبين أن التصليب في جذوع النخل هو مراده بقوله في "الأعراف، والشعراء": {لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (١٢٤)}؛ أي في جذوع النخل. وتعدية التصليب بـ"في" أسلوب عربي معروف، ومنه قول سويد بن أبي كامل:
هم صلبوا العبدي في جذع نخلة ... فلا عطست شيبان إلا بأجدعا
ومعلوم عند علماء البلاغة: أن في مثل هذه الآية استعارة تبعية في معنى الحرف كما سيأتي إن شاء الله تعالى إيضاح كلامهم في ذلك ونحوه في سورة "القصص". وقد أوضحنا في كتابنا المسمى (منع جواز المجاز في المنزل للتعبد والإعجاز) أن ما يسميه البلاغيون من أنواع المجاز مجازًا كلها أساليب عربية نطقت بها العرب في لغتها. وقد بينا وجه عدم جواز المجاز في القرآن وما يترتب على ذلك من المحذور.
وقوله في هذه الآية الكريمة: {وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (٧١)} قال بعض أهل العلم: {وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا}: يعني: أنا أم رب موسى أشد عذابًا وأبقى. واقتصر على هذا القرطبي؛ وعليه ففرعون يدعي أن عذابه أشد وأبقى من عذاب الله؛ وهذا كقوله: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (٢٤)}، وقوله:{مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيرِي}، وقوله: {لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (٢٩)}. وقال بعضهم:{وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا} أنا أم موسى أشد عذابًا وأبقى. وعلى هذا فهو كالتهكم بموسى لاستضعافه له، وأنه لا يقدر على أن يعذب من لم