ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن سحرة فرعون لما آمنوا برب هارون وموسى قال لهم فرعون منكرًا عليهم: {آمَنْتُمْ لَهُ} أي صدقتموه في أنه نبي مرسل من الله، وآمنتم بالله قبل أن آذن لكم. يعني أنهم لم يكفوا عن الإيمان حتى يأذن لهم؛ لأنه يزعم أنهم لا يحق لهم أن يفعلوا شيئًا إلا بعد إذنه هو لهم. وقال لهم أيضًا: إن موسى هو كبيرهم؛ أي كبير السحرة وأستاذهم الذي علمهم السحر. ثم هددهم مقسمًا على أنه يقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف؛ يعني اليد اليمنى والرجل اليسرى مثلًا؛ لأنه أشد على الإنسان من قطعهما من جهة واحدة؛ لأنه إن كان قطعهما من جهة واحدة يبقى عنده شق كامل صحيح، بخلاف قطعهما من خلاف. فالجنب الأيمن يضعف بقطع اليد، والأيسر يضعف بقطع الرجل كما هو معلوم. وأنه يصلبهم في جذوع النخل، وجذع النخلة هو أخشن جذع من جذوع الشجر، والتصليب عليه أشد من التصليب على غيره من الجذوع كما هو معروف.
وما ذكره جل وعلا عنه هنا أوضحه في غير هذا الموضع أيضًا؛ كقوله في سورة "الشعراء": {قَال آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (٤٩)}. وذكر هذا أيضًا في سورة "الأعراف" وزاد فيها التصريح بفاعل "قال". وادعاء فرعون أن موسى والسحرة تمالئوا على أن يظهروا أنه غلبهم مكرًا ليتعاونوا على إخراج فرعون وقومه من مصر؛ وذلك في قوله: {قَال فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ