-حاشاها وحاشاه من ذلك- هو المراد بقولهم لها: {لَقَدْ جِئْتِ شَيئًا فَرِيًّا (٢٧)}. ويدل لذلك قوله تعالى بعده: {يَاأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (٢٨)}، والبغي: الزانية كما تقدم. يعنون كان أبواك عفيفين لا يفعلان الفاحشة، فما لك أنت ترتكبينها!! ومما يدل على أن ولد الزنى كالشيء المفترى قوله تعالى:{وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَينَ أَيدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ} قال بعض العلماء: معنى قوله تعالى: {وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَينَ أَيدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ} أي: ولا يأتين بولد زنى يقصدن إلحاقه برجل ليس أباه، هذا هو الظاهر الذي دل عليه القرآن في معنى الآية. وكل عمل أجاده عامله فقد فراه لغة، ومنه قول الراجز وهو زرارة بن صعب بن دهر:
قد أطمعتني دقلًا حوليًّا ... مسوسًا مدودًا حجريًا
قد كنت تفرين به الفريا
يعني تعملين به العمل العظيم. والظاهر أنه يقصد أنها تأكله أكلًا لمًا عظيمًا.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة:{يَاأُخْتَ هَارُونَ} ليس المراد به هارون بن عمران أخا موسى كما يظنه بعض الجهلة. وإنما هو رجل آخر صالح من بني إسرائيل يسمى هارون. والدليل على أنه ليس هارون أخا موسى ما رواه مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ومحمد بن عبد الله بن نمير، وأبو سعيد الأشج، ومحمد بن المثنى العنزي -واللفظ لابن نمير- قالوا: حدثنا ابن إدريس عن أبيه، عن سماك بن حرب، عن علقمة