للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تعالى: {وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ} أي بسبب قولك ومن أجله، والضمير المجرور بعن راجع إلى القول المختلف، والمعنى: (يؤفك) أي يصرف عن الإيمان بالله ورسوله (عنه) أي عن ذلك القول المختلف أي بسببه (من أفك) أي من سبقت له الشقاوة في الأزل، فحرم الهدي وأفك عنه؛ لأن هذا القول المختلف يكذب بعضه بعضًا ويناقضه.

ومن أوضح الأدلة على كذب القول وبطلانه اختلافُه وتناقضه كما لا يخفى؛ فهذا القول المختلف الذي يحاول كفار مكة أن يصدوا به الناس عن الإسلام، الذي يقول فيه بعضهم: إن الرسول ساحر، وبعضهم يقول: شاعر، وبعضهم يقول: كذاب. ظاهر البطلان لتناقضه وتكذيب بعضه لبعض، فلا يصرف عن الإسلام بسببه إلا من صرف، أي صرفه الله عن الحق لشقاوته في الأزل، فمن لم يكتب عليه في سابق علم الله الشقاوة والكفر لا يصرفه عن الحق قولٌ ظاهر الكذب والبطلان لتناقضه.

وهذا المعنى جاء موضحًا في غير هذا الموضع، كقوله تعالى: {فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ (١٦١) مَا أَنْتُمْ عَلَيهِ بِفَاتِنِينَ (١٦٢) إلا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ (١٦٣)}.

ومعنى هذه الآية: أن دين الكفار، الذي هو الشرك بالله وعبادة الأوثان، مع حرصهم على صد الناس عن دين الإسلام إليه، ما هم بفاتنين، أي ليسوا بمضلين عليه أحدا لظهور فساده وبطلانه، (إلا من هو صال الجحيم)، أي إلا من قدر الله عليه الشقاوة وأنه من أهل النار في سابق علمه.

هذا هو الظاهر لنا في معنى هذه الآية الكريمة.