للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَرَاءَ ظَهْرِهِ (١٠) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (١١) وَيَصْلَى سَعِيرًا (١٢) إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا (١٣) إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (١٤)} الآية.

وقد تقرر في مسلك الإِيماء والتنبيه أن (إنَّ) المكسورة المشددة من حروف التعليل، فقوله: (إنه كان في أهله مسرورًا) علة لقوله: (فسوف يدعوا ثبورًا ويصلى سعيرًا).

والمسرور في أهله في دار الدنيا ليس بمشفق ولا خائف، ويؤيد ذلك قوله بعده: (إنه ظن أن لن يحور)؛ لأن معناه: ظن أن لن يرجع إلى الله حيًّا يوم القيامة، ولا شك أن من ظن أنَّه لا يبعث بعد الموت لا يكون مشفقًا في أهله خوفًا من العذال؛ لأنه لا يؤمن بالحساب والجزأء، وكون (لن يحور) بمعنى "لن يرجع" معروف في كلام العرب، ومنه قول مهلهل بن ربيعة التغلبي:

أليلتنا بذي حسم أنيري ... إذا أنت انقضيت فلا تحوري

فقوله: فلا تحوري، أي فلا ترجعي.

وقول لبيد بن ربيعة العامري:

وما المرء إلَّا كالشهاب وضوئه ... يحور رمادًا بعد ما هو ساطع

أي يرجع رمادًا، وقيل: يصير. والمعنى واحد.

وقوله تعالى: {وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (٤١) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (٤٢) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (٤٣) لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ (٤٤) إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ (٤٥) وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (٤٦)} الآية؛ لأن تنعمهم في الدنيا المذكورة في قوله: {مُتْرَفِينَ (٤٥) وإنكارهم للبعث المذكور في قوله: {قَالُوا أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا} الآية، دليل على عدم إشفاقهم في الدنيا، وهو علة كونهم في سموم وحميم.