شاعر)، لأنها تدل على الإِضراب والإِنكار المتضمن معنى النفي.
وقد جاءت آيات أخر بنفي هذه الصفات عنه - صلى الله عليه وسلم - ، كقوله تعالى في نفي الجنون عنه في أول القلم: {مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (٢)}، وقوله في التكوير: {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (٢٢)}، وكقوله في نفي الصفتين الأخيرتين أعني الكهانة والشعر: {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (٤١) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (٤٢)}، وقد قدمنا بعض الكلام على هذا في سورة الشعراء وغيرها.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيبَ الْمَنُونِ (٣٠)} أي ننتظر به حوادث الدهر، حتَّى يحدث له منها الموت، فالمنون: الدهر، وريبه: حوادثه التي يطرأ فيها الهلاك والتغيير.
والتحقيق أن الدهر هو المراد في قول أبي ذؤيب الهذلي:
أمن المنون وريبه تتوجع ... والدهر ليس بمعتب من يجزع
لأن الضمير في قوله:"وريبه" يدل على أن المنون الدهر.
ومن ذلك أيضًا قول الآخر:
تربص بها ريب المنون لعلها ... تطلق يومًا أو يموت حليلها
وقال بعض العلماء: المنون في الآية: الموت. وإطلاق المنون على الموت معروف في كلام العرب، ومنه قول أبي الغول الطهوي:
همُ منعوا حمى الوَقَبى بضرب ... يؤلف بين أشتات المنون
لأن الذين ماتوا عند ذلك الماء المسمى بالوقبى، جاؤوا من جهات مختلفة، فجمع الموت بينهم في محل واحد، ولو ماتوا في بلادهم لكانت مناياهم في بلاد شتى.