فإن قيل: ما وجعه الجمع بين نفي اعتذارهم المذكور هنا، وبين ما جاء في القرآن من اعتذارهم، كقوله تعالى عنهم: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (٢٣)} وقوله: {مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ} وقوله: {بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئًا} ونحو ذلك من الآيات.
فالجواب: من أوجه.
منها: أنهم يعتذرون حتى إذا قيل لهم: { اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (١٠٨)} انقطع نطقهم ولم يبق إلا الزفير والشهيق، كما قال تعالى: {وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ (٨٥)}.
ومنها: أن نفي اعتذارهم يراد به اعتذار فيه فائدة. أما الاعتذار الذي لا فائدة فيه فهو كالعدم، يصدق عليه في لغة العرب: أنه ليس بشيء، ولذا صرح تعالى بأن المنافقين بكم في قوله:{صُمٌّ بُكْمٌ} مع قوله عنهم: {وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ} أي: لفصاحتهم وحلاوة ألسنتهم، وقال عنهم أيضًا:{فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ} فهذا الذي ذكره جل وعلا من فصاحتهم وحدة ألسنتهم، مع تصريحه بأنهم بكم - يدل على أن الكلام الذي لا فائدة فيه كلا شيء، كما هو واضح.
وقال هبيرة بن أبي وهب المخزومي:
وإن كلام المرء في غير كنهه ... لكالنبل تهوي ليس فيها نصالها
وقد بينا هذا في كتابنا [دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب] في مواضع منه.
والترتيب بـ {ثُمَّ} في قوله في هذه الآية الكريمة: {ثُمَّ لَا