ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً} الآية. وأشار إلى ذلك أيضًا بقوله:{وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ} وقوله في سورة المؤمن: {ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٦٧)}.
وقال البخاري في صحيحه في الكلام على هذه الآية الكريمة: باب قوله تعالى: {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ} حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا هارون بن موسى أبو عبد الله الأعور، عن شعيب، عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو "أعوذ بالله من البخل والكسل، وأرذل العمر، وعذاب القبر، وفتنة الدجال، وفتنة المحيا والممات" اهـ.
وعن على رضي الله تعالى عنه: أن أرذل العمر خمس وسبعون سنة. وعن قتادة: تسعون سنة. والظاهر أنه لا تحديد له بالسنين، وإنما هو باعتبار تفاوت حال الأشخاص؛ فقد يكون ابن خمس وسبعين أضعف بدنًا وعقلًا، وأشد خرفًا من آخر ابن تسعين سنة، وظاهر قول زهير في معلقته:
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ... ثمانين حولًا لا أبا لك يسأم
أن ابن الثمانين بالغ أرذل العمر، ويدل له قول الآخر:
إن الثمانين وبلغتها ... قد أحوجت سمعي إلى ترجمان
وقوله:{لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ} أي يرد إلى أرذل العمر، لأجل أن يزول ما كان يعلم من العلم أيام الشباب، ويبقى لا يدري شيئًا، لذهاب إدراكه بسبب الخرف. ولله في ذلك حكمة.