للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله هنا {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٣٦)} قد قدمنا مرارًا أن لعل تأتي في القرآن لمعان أقربها اثنان:

أحدهما: أنها بمعناها الأصلي الذي هو الترجي والتوقع، وعلى هذا فالمراد بذلك خصوص الخلق؛ لأنهم هم الذين يترجى منهم شكر النعم من غير قطع بأنهم يشكرونها، أو لا يشكرونها؛ لعدم علمهم بما تؤول إليه الأمور. وليس هذا المعنى في حق الله تعالى؛ لأنه عالم بما سيكون، فلا يجوز في حقه جل وعلا إطلاق الترجي والتوقع لتنزيهه عن ذلك، وإحاطة علمه بما ينكشف عنه الغيب، وقد قال تعالى لموسى وهارون: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (٤٤)} أي: على رجائكما وتوقعكما أنه يتذكر أو يخشى، مع أن الله عالم في سابق أزله أن فرعون لا يتذكر ولا يخشى، فمعنى لعل بالنسبة إلى الخلق، لا إلى الخالق جل وعلا. المعنى الثاني: هو ما قدمنا من أن بعض أهل العلم قال: كل لعل في القرآن فهي للتعليل إلَّا التي في سورة الشعراء: {وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (١٢٩)} قال: فهي بمعنى: كأنكم تخلدون. وإتيان لفظة لعل للتعليل معروف في كلام العرب. وقد قدمناه موضحًا مرارًا. وقد قدمنا من شواهده العربية قول الشاعر:

فقلتم لنا كفوا الحروب لعلنا ... نكف ووثقتم لنا كل موثق

يعني كفوا الحروب لأجل أن نكف. وإذا علمت أن هذه الآية الكريمة بين الله فيها أن تسخيره الأنعام لبني آدم نعمة من إنعامه، تستوجب الشكر لقوله: {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٣٦)}.

فاعلم: أنه بين هذا في غير هذا الموضع، كقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (٧١) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ