من الشجرة المذكورة، فكانت وسوسة الشيطان سببًا للأكل من تلك الشجرة. وكان الأكل منها سببًا لبدو سوءاتهما. وقد تقرر في الأصول في مسلك (الإيماء والتنبيه): أن الفاء تدل على التعليل كقولهم: سها فسجد، أي لِعِلّة سهوه. وسرق فقطعت يده، أي لِعِلّة سرقته، كما قدمناه مرارًا. وكذلك قوله هنا: {فَوَسْوَسَ إِلَيهِ الشَّيطَانُ قَال يَاآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى (١٢٠) فَأَكَلَا مِنْهَا} أي بسبب تلك الوسوسة فبدت لهما سوءاتها، أي بسبب ذلك الأكل، ففي الآية ذكر السبب. وما دلت عليه الفاء هنا كما بينا من أن وسوسة الشيطان هي سبب ما وقع من آدم وحواء؛ جاءَ مبينًا في مواضع من كتاب الله، كقوله تعالى:{فَأَزَلَّهُمَا الشَّيطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ} فصرح بأن الشيطان هو الذي أزلهما. وفي القراءة الأخرى "فأزالهما" وأنه هو الذي أخرجهما مما كانا فيه، أي من نعيم الجنة، وقوله تعالى:{يَابَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ} الآية، وقوله:{فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ} إلى غير ذلك من الآيات.
وما ذكره جل وعلا في آية "طه" هذه من ترتب بدو سوءاتهما على أكلهما من تلك الشجرة؛ أوضحه في غير هذا الموضع، كقوله في "الأعراف": {فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا}، وقوله فيها. أيضًا:{كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا}.
وقد دلت الآيات المذكورة على أن آدم وحواء كانا في ستر من الله يستر به سوءاتهما، وأنهما لما أكلا من الشجرة التي نهاهما ربهما عنهما انكشف ذلك الستر بسبب تلك الزلة، فبدت سوءاتهما