لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا (٤٠)} الهمزة في قوله: {أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ} للإنكار. ومعنى الآية: أفخصكم ربكم على وجه الخصوص والصفاء بأفضل الأولاد وهم البنون، لم يجعل فيهم نصيبًا لنفسه، واتخذ لنفسه أدونهم وهي البنات؛ وهذا خلاف المعقول والعادة، فإن السادة لا يؤثرون عبيدهم بأجود الأشياء وأصفاها من الشوب، ويتخذون لأنفسهم أردأها وأدونها، فلو كان جل وعلا متخذًا ولدًا "سبحانه وتعالى عن ذلك علوًا كبيرًا" لاتخذ أجود النصيبين ولم يتخذ أردأهما! ولم يصطفكم دون نفسه بأفضلهما.
وهذا الإنكار متوجه على الكفار في قولهم: الملائكة بنات الله، سبحانه وتعالى عما يقولون علوًا كبيرًا، فقد جعلوا له الأولاد! ومع ذلك جعلوا له أضعفها وأردأها وهو الإناث! وهم لا يرضونها لأنفسهم.
وقد بين الله هذا المعنى في آيات كثيرة؛ كقوله: {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (٢١) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى (٢٢)} وقوله: {أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ (٣٩)} وقوله: {لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} والآيات بمثل هذا كثيرة جدًا. وقد بينا ذلك بإيضاح في "سورة النحل".
وقوله في هذه الآية الكريمة: {إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا (٤٠)} بين فيه أن ادعاء الأولاد لله -سبحانه وتعالى عن ذلك علوًا كبيرًا- أمر عظيم جدًا، وقد بين شدة عظمه بقوله تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (٨٨) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (٨٩) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (٩٠) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (٩١) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (٩٢)