فالجواب -والله تعالى أعلم- أن هذا التغليظ كان أولًا، ثم نسخ بفرض الزكاة، كما ذكره البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما.
وقال ابن حجر في [فتح الباري]: قال ابن عبد البر: وردت عن أبي ذر آثار كثيرة تدل على أنه كان يذهب إلى أن كل مال مجموع يفضل عن القوت وسداد العيش فهو كنز يذم فاعله، وأن آية الوعيد نزلت في ذلك.
وخالفه جمهور الصحابة ومن بعدهم، وحملوا الوعيد على مانع الزكاة. . . إلى أن قال: فكان ذلك واجبًا في أول الأمر، ثم نسخ، ثم ذكر عن شداد بن أوس أنه قال: كان أبو ذر يسمع الحديث من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه الشدة، ثم يخرج إلى قومه، ثم يرخص فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا يسمع الرخصة، ويتعلق بالأمر الأول. اهـ.
وقال بعض العلماء: هي في خصوص أهل الكتاب بدليل اقترانها مع قوله: {إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ} الآية.
فإذا علمت أن التحقيق أن الآية عامة، وأنها في من لا يؤدي الزكاة، فاعلم أن المراد بها هو المشار إليه في آيات الزكاة؛ وقد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أن البيان بالقرآن إذا كان غير واف بالمقصود فتمم البيان من السنة، من حيث إنها بيان للقرآن المبين به، وآيات الزكاة كقوله:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} الآية، وقوله:{وَآتُوا الزَّكَاةَ} وقوله: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} لا تفي بالبيان فتبينه بالسنة.