"التمس ولو خاتمًا من حديد" فالتمس فلم يجد شيئًا، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "هل معك من القرآن شيء؟ " قال نعم، سورة كذا وكذا يسميها، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "قد زوجتكها بما معك من القرآن" وفي رواية "قد ملكتكها بما معك من القرآن" فقالوا: هذا الرجل أباح له النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يجعل تعليمه بعض القرآن لهذه المرأة عوضًا عن صداقها. وهو صريح في أن العوض على تعليم القرآن جائز. وما رد به العلماء الاستدلال بهذا الحديث من أنَّه - صلى الله عليه وسلم - زوجه إياها بغير صداق إكرامًا له لحفظه ذلك المقدار من القرآن، ولم يجعل التعليم صداقًا لها -مردود بما ثبت في بعض الروايات في صحيح مسلم أنَّه - صلى الله عليه وسلم - قال:"انطلق فقد زوجتكها فعلمها من القرآن" وفي رواية لأبي داود "علمها عشرين آية وهي امرأتك".
واحتجوا أيضًا بعموم قوله - صلى الله عليه وسلم - الثابت في صحيح البخاري من حديث ابن عبَّاس:"إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله" قالوا: الحديث وإن كان واردًا في الجعل في الرقيا بكتاب الله فالعبرة بعموم الألفاظ، لا بخصوص الأسباب.
واحتمال الفرق بين الجعل على الرقية وبين الأجرة على التعليم ظاهر.
قال مقيده -عفا الله عنه-: الذي يظهر لي -والله تعالى أعلم- أن الإنسان إذا لم تدعه الحاجة الضرورية فالأولى له ألا يأخذ عوضًا على تعليم القرآن، والعقائد، والحلال والحرام للأدلة الماضية، وإن دعته الحاجة أخذ بقدر الضرورة من بيت مال المسلمين؛ لأن الظاهر أن المأخوذ من بيت المال من قبيل الإعانة