للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (٦٧)} وقوله: {قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ (٣٣)}.

تنبيه: مثل قياس إبليس نفسه على عنصره -الذي هو النار وقياسه آدم على عنصره، الذي هو الطين واستنتاجه من ذلك أنه خير من آدم، ولا ينبغي أن يؤمر بالسجود لمن هو خير منه، مع وجود النص الصريح الذي هو قوله تعالى: {اسْجُدُوا لِآدَمَ} - يسمى في اصطلاح الأصوليين فاسد الاعتبار. وإليه الإشارة بقول صاحب مراقي السعود:

"والخلف للنص أو إجماع دعا ... فساد الاعتبار كل من وعى"

فكل من رد نصوص الوحي بالأقيسة فسلفه في ذلك إبليس، وقياس إبليس هذا -لعنه الله- باطل من ثلاثة أوجه:

الأول: أنه فاسد الاعتبار، لمخالفة النص الصريح كما تقدم قريبا.

الثاني: أنا لا نسلم أن النار خير من الطين، بل الطين خير من النار؛ لأن طبيعتها الخفة والطيش والإفساد والتفريق، وطبيعته الرزانة والإصلاح فتودعه الحبة، فيعطيكها سنبلة، والنواة فيعطيكها نخلة. وإذا أردت أن تعرف قدر الطين فانظر إلى الرياض الناضرة وما فيها من الثمار اللذيذة، والأزهار الجميلة، والروائح الطيبة تعلم أن الطين خير من النار.

الثالث: أنا لو سلمنا تسليما جدليا أن النار خير من الطين فإنه لا يلزم من ذلك أن إبليس خير من آدم، لأن شرف الأصل لا