معرض تسليم الاستدلال بتلك القرينة على براءة يوسف يدل على أن الحكم بمثل ذلك حق وصواب، لأن كون القميص مشقوقًا من جهة دبره دليل واضح على أنه هارب عنها، وهي تنوشه من خلفه، ولكنه تعالى بين في موضع آخر أن محل العمل بالقرينة ما لم تعارضها قرينة أقوى منها، فإن عارضتها قرينة أقوى منها أبطلتها، وذلك في قوله تعالى {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} لأن أولاد يعقوب لما جعلوا يوسف في غيابة الجب، جعلوا على قميصه دم سخلة؛ ليكون وجود الدم على قميصه قرينة على صدقهم في دعواهم أنه أكله الذئب.
ولاشك أن الدم قرينة على افتراس الذئب له، ولكن يعقوب أبطل قرينتهم هذه بقرينة أقوى منها، وهي عدم شق القميص، فقال: سبحان الله متى كان الذئب حليمًا كيسًا يقتل يوسف ولا يشق قميصه.
ولذا صرح بتكذيبه لهم في قوله: {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (١٨)}.
وهذه الآيات المذكورة أصل في الحكم بالقرائن.
ومن أمثلة الحكم بالقرينة: الرجل يتزوج المرأة من غير أن يراها سابقًا؛ فتزفها إليه ولائد لا يثبت بشهادتهن أن هذه هي فلانة التي وقع عليها العقد؛ فيجوز له جماعها من غير احتياج إلى بينة تشهد على عينها أنها هي التي وقع العقد عليها؛ اعتمادًا على قرينة النكاح.
وكالرجل ينزل ضيفًا عند قوم، فتأتيه الوليدة أو الغلام