قال مقيده -عفا الله عنه-: الظاهر أن هذا القول من قبيل السالبة لا تقتضي وجود الموضوع، والمراد أن المقصود نفي اتصاف المحكوم عليه بالمحكوم به، وذلك صادق بصورتين:
الأولى: أن يكون المحكوم عليه موجودًا، ولكن المحكوم به منتف عنه، كقولك ليس الإنسان بحجر، فالإنسان موجود والحجرية منتفية عنه.
الثانية: أن يكون المحكوم عليه غير موجود، فيعلم منه انتفاء الحكم عليه بذلك الأمر الوجودي، وهذا النوع من أساليب اللغة العربية، كما أوضحناه في كتابنا [دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب] ومثاله في اللغة قول امرىء القيس:
على لاحِبٍ لا يهتدى بمناره ... إذا سافه العود النباطي جرجرا
أي لا منار له أصلًا حتى يهتدى به، وقوله:
لا تفزع الأرنب أهوالها ... ولا ترى الضب بها ينجحر
يعني لا أرانب فيها ولا ضباب.
وعلى هذا فقوله:{بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} أي: لا عمد لها حتى تروها. والعمد: جمع عمود على غير قياس، ومنه قول نابغة ذبيان:
وخَيِّس الجن إني قد أذنت لهم ... يبنون تدمر بالصُّفَّاح والعمد