للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله: {وَاصِبًا} أي: دائمًا، أي: له جل وعلا الطاعة والذل والخضوع دائمًا؛ لأنه لا يضعف سلطانه، ولا يعزل عن سلطانه، ولا يعلن ولا يغلب، ولا يتغير له حال، بخلاف ملوك الدنيا، فإن الواحد منهم يكون مطاعًا له السلطنة والحكم، والناس يخافونه ويطمعون فيما عنده برهة من الزمن، ثم يعزل أو يموت، أو يذل بعد عز، ويتضع بعد رفعة، فيبقي لا طاعة له ولا يعبأ به أحد، فسبحان من لم يتخذ ولدًا، ولم يكن له شريك في الملك، ولم يكن له ولي من الذل، وكبره تكبيرا.

وهذا المعني الذي أشار إليه مفهوم الآية بينه جل وعلا في مواضع أخر، كقوله: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ} وقوله تعالى: {خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (٣)} لأنها ترفع أقوامًا كانت منزلتهم منخفضة في الدنيا، وتخفض أقوامًا كانوا ملوكًا في الدنيا لهم المكانة الرفيعة، وقوله: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (١٦)}.

ونظير هذه الآية المذكورة قوله: {وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (٨) دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (٩)} أي: دائم. وقيل: عذاب موجع مؤلم. والعرب تطلق الوصب علي المرض، وتطلق الوصوب على الدوام.

وروي عن ابن عباس أنه لما سأله نافع بن الأزرق عن قوله تعالى: {وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا} قال له: الواصب الدائم، واستشهد له بقول أمية بن أبي الصلت الثقفي:

وله الدين واصبًا وله الملـ ... ـك وحمد له على كل حال