للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا} الآية. فزعموا لله الأولاد، ومع ذلك زعموا له أخس الولدين وهو الأنثى، فالإناث التي جعلوها لله يكرهونها لأنفسهم ويأنفون منها، كما قال تعالى عنهم: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا} أي: لأن شدة الحزن والكآبة تسود لون الوجه {وَهُوَ كَظِيمٌ (٥٨)}: أي: ممتلئ حزنًا، وهو ساكت، وقيل: ممتلئ غيظًا على امرأته التي ولدت له الأنثى. {يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ} أي: يختفي من أصحابه من أجل سوء ما بشر به لئلا يروا ما هو فيه من الحزن والكآبة، أو لئلا يشمتوا به ويعيروه، ويحدث نفسه وينظر: {أَيُمْسِكُهُ} أي: ما بشر به وهو الأنثى {عَلَى هُونٍ} أي: هوان وذل {أَمْ يَدُسُّهُ} في التراب، أي: يدفن المذكور الذي هو الأنثى حيًا في التراب، يعني ما كانوا يفعلون بالبنات من الوأد، وهو دفن البنت حية، كما قال تعالى: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (٨) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (٩)}.

وأوضح جل وعلا هذه المعاني المذكورة في هذه الآيات في مواضع أخر، فبين أن جعلهم الإناث لله، أو الذكور لأنفسهم قسمة غير عادلة، وأنها من أعظم الباطل.

وبين أنه لو كان متخذًا ولدًا سبحانه وتعالى عن ذلك، لاصطفى أحسن النصيبين، ووبخهم على أن جعلوا له أخس الولدين، وبين كذبهم في ذلك وشدة عظم ما نسبوه إليه، كل هذا ذكره في مواضع متعددة، كقوله: {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (٢١) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى (٢٢)} وقوله: {أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (١٥١) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (١٥٢) أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ (١٥٣) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (١٥٤)} وقوله: {أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ