هذه الآية الكريمة: أن تسخيره الطير في جو السماء ما يمسكها إلا هو - من آياته الدالة على قدرته، واستحقاقه لأن يعبد وحده. وأوضح هذا المعنى في غير هذا الموضع؛ كقوله: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (١٩)}.
تنبيه
لم يذكر علماء العربية الفعل بفتح فسكون من صيغ جموع التكسير.
قال مقيده -عفا الله عنه-: الذي يظهر لي من استقراء اللغة العربية: أن الفعل -بفتح فسكون- جمع تكسير لفاعل وصفًا لكثرة وروده في اللغة جمعًا له؛ كقوله هنا:{أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ} فالطير جمع طائر، وكالصحب فإنه جمع صاحب؛ قال امرؤ القيس:
وقوفًا بها صَحْبي عليَّ مطيهم ... يقولون لا تهلك أسًى وتجمل
فقوله "صَحْبي" أي: أصحابي، وكالرَّكْب فإنه جمع راكب؛ قال تعالى:{وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ} وقال ذو الرمة:
أستحدث الركب عن أشياعهم خبرًا ... أم راجع القلب من أطرابه طرب
فالركب جمع راكب. وقد رد عليه ضمير الجماعة في قوله "عن أشياعهم"، وكالشرب فإنه جمع شارب، ومنه قول نابغة ذبيان:
كأنه خارجًا من جنب صفحته ... سفود شرب نسوه عند مفتأد