الجهة الثانية من جهتي الإشكال في قوله:{أَوْ مِثْلِهَا} لأنه يقال: ما الحكمة في نسخ المثل ليبدل منه مثله؟ وأي مزية للمثل على المثل حتى ينسخ ويبدل منه؟.
والجواب عن الإشكال الأول: هو أن الخيرية تارة تكون في الأثقل؛ لكثرة الأجر، وذلك فيما إذا كان الأجر كثيرًا جدًا، والامتثال غير شديد الصعوبة؛ كنسخ التخيير بين الإطعام والصوم بإيجاب الصوم، فإن في الصوم أجرًا كثيرًا كما في الحديث القدسي "إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به" والصائمون من خيار الصابرين؛ لأنهم صبروا لله عن شهوة بطونهم وفروجهم، والله يقول: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (١٠)} ومشقة الصوم عادية ليس فيها صعوبة شديدة تكون مظنة لعدم القدرة على الامتثال، وإن عرض ما يقتضي ذلك كمرض أو سفر؛ فالتسهيل برخصة الإفطار منصوص بقوله:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} وتارة تكون الخيرية في الأخف، وذلك فيما إذا كان الأثقل المنسوخ شديد الصعوبة بحيث يعسر فيه الامتثال، فإن الأخف يكون خيرًا منه؛ لأن مظنة عدم الامتثال تعرض المكلف للوقوع فيما لا يرضي الله، وذلك كقوله:{وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} فلو لم تنسخ المحاسبة بخطوات القلوب لكان الامتثال صعبًا جدًا، شاقًا على النفوس، لا يكاد يسلم من الإخلال به، إلا من سلمة الله تعالى، فلا شك أن نسخ ذلك بقوله:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} خير للمكلف من بقاء ذلك الحكم الشاق، وهكذا.
والجواب عن الإشكال الثاني: هو أن قوله: {أَوْ مِثْلِهَا}