فإن قيل: إذا كان الرقيق مسلمًا فما وجه ملكه بالرق؟ مع أن سبب الرق الذي هو الكفر ومحاربة الله ورسله قد زال؟.
فالجواب: أن القاعدة المعروفة عند العلماء وكافة العقلاء: أن الحق السابق لا يرفعه الحق اللاحق، والأحقية بالأسبقية ظاهرة لا خفاء بها، فالمسلمون عندما غنموا الكفار بالسبي: ثبت لهم حق الملكية بتشريع خالق الجميع، وهو الحكيم الخبير، فإذا استقر هذا الحق وثبت، ثم أسلم الرقيق بعد ذلك كان حقه في الخروج من الرق بالإسلام مسبوقًا بحق المجاهد الذي سبقت له الملكية قبل الإسلام، وليس من العدل والإنصاف رفع الحق السابق بالحق المتأخر عنه؛ كما هو معلوم عند العقلاء. نعم، يحسن بالمالك ويجمل به أن يعتقه إذا أسلم، وقد أمر الشارع بذلك ورغب فيه، وفتح له الأبواب الكثيرة كما قدمنا - فسبحان الحكيم الخبير {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١١٥)} فقوله: {صِدْقًا} أي: في الأخبار، وقوله:{وَعَدْلًا} أي: في الأحكام. ولا شك أن من ذلك العدل: الملك بالرق وغيره من أحكام القرآن.
وكم من عائب قولًا صحيحًا ... وآفته من الفهم السقيم
ومن هدي القرآن للتي هي أقوم: القصاص؛ فإن الإنسان إذا غضب وهَمَّ بأن يقتل إنسانًا آخر، فتذكر أنه إن قتله قتل به، خاف العاقبة فترك القتل؛ فحَيَّ ذلك الذي كان يريد قتله، وحَيَّ هو؛ لأنه لم يقتل فيقتل قصاصًا، فقتل القاتل يحيا به ما لا يعلمه إلا الله كثرة