فلو خاف حدوث مرض مخوف في جنسه فهو كخوف الموت، وإن خاف طول المرض فكذلك في أصح الوجهين، وقيل: إنهما قولان، ولو عيل صبره، وأجهده الجوع، فهل يحل له الميتة ونحوها؟ أم لا يحل حتى يصل إلى أدنى الرمق؟ فيه قولان ذكرهما البغوي وغيره، أصحهما: الحل.
قال إمام الحرمين وغيره: ولا يشترط فيما يخافه تيقن وقوعه لو لم يأكل، بل يكفي غلبة الظن انتهى منه بلفظه.
وقال ابن قدامة في المغني: إذا ثبت هذا فإن الضرورة المبيحة هي التي يخاف التلف بها إن ترك الأكل، قال أحمد: إذا كان يخشى على نفسه سواء كان من الجوع، أو يخاف إن ترك الأكل عجز عن المشي، وانقطع عن الرفقة فهلك أو يعجز عن الركوب فيهلك، ولا يتقيد ذلك بزمن محصور.
وحد الاضطرار عند الحنفية هو أن يخاف الهلاك على نفسه أو على عضو من أعضائه يقينا كان أو ظنا، والله تعالى أعلم.
المسألة الثالثة: هل يجب الأكل من الميتة ونحوها إن خاف الهلاك، أو يباح من غير وجوب؟ اختلف العلماء في ذلك، وأظهر القولين الوجوب؛ لقوله تعالى:{وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} وقوله: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً (٢٩)}. ومن هنا قال جمع من أهل الأصول: إن الرخصة قد تكون واجبة، كأكل الميتة عند خوف الهلاك لو لم يأكل منها، وهو الصحيح من مذهب مالك، وهو أحد الوجهين للشافعية، وهو أحد الوجهين عند الحنابلة أيضا، وهو اختيار ابن حامد. وهذا هو مذهب أبي حنيفة