صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أن طاغية الروم حبسه في بيت وجعل معه خمرا ممزوجا بماء، ولحم خنزير مشوي ثلاثة أيام، فلم يأكل ولم يشرب حتى مال رأسه من الجوع والعطش وخشوا موته، فأخرجوه فقال: قد كان الله أحله لي؛ لأني مضطر، ولكن لم أكن لأشمتك بدين الإسلام. ولأن إباحة الأكل رخصة، فلا تجب عليه كسائر الرخص، ولأن له غرضا في اجتناب النجاسة، والأخذ بالعزيمة، وربما لم تطب نفسه بتناول الميتة، وفارق الحلال في الأصل من هذه الوجوه.
وقد قدمنا أن أظهر القولين دليلا وجوب تناول ما يمسك الحياة، لأن الإنسان لا يجوز له إهلاك نفسه، والعلم عند الله تعالى.
المسألة الرابعة: هل يقدم المضطر الميتة أو مال الغير؟
اختلف العلماء في ذلك: فذهب مالك إلى أنه يقدم مال الغير إن لم يخف أن يجعل سارقا ويحكم عليه بالقطع. ففي موطئه ما نصه: وسئل مالك عن الرجل يضطر إلى الميتة، أيأكل منها وهو يجد ثمرا لقوم، أو زرعا، أو غنما بمكانه ذلك؟ قال مالك: إن ظن أن أهل ذلك الثمر، أو الزرع، أو الغنم يصدقونه بضرورته حتى لا يعد سارقا فتقطع يده، رأيت أن يأكل من أي ذلك وجد ما يرد جوعه ولا يحمل منه شيئا. وذلك أحب إلي من أن يأكل الميتة, وإن هو خشي ألا يصدقوه، وأن يعد سارقا بما أصاب من ذلك، فإن أكل الميتة خير له عندي، وله في أكل الميتة على هذا الوجه سعة، مع أني أخاف أن يعدو عاد ممن لم يضطر إلى الميتة يريد