للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مخالفيهم: إن القاطع الذي هو قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (١٥)} يجب تقديمه على أخبار الآحاد الدالة على تعذيب بعض أهل الفترة، كحديثي مسلم في صحيحه المتقدمين = بأن الآية عامة، والحديثين كلاهما خاص في شخص معين، والمعروف في الأصول أنه لا يتعارض عام وخاص؛ لأن الخاص يقضي على العام كما هو مذهب الجمهور، خلافًا لأبي حنيفة رحمه الله، كما بيناه في غير هذا الموضع.

فما أخرجه دليل خاص خرج من العموم، وما لم يخرجه دليل خاص بقي داخلًا في العموم؛ كما تقرر في الأصول.

وأجاب المانعون بأن هذا التخصيص يبطل حكمة العام؛ لأن الله جل وعلا تمدح بكمال الإنصاف؛ وأنه لا يعذب حتى يقطع حجة المعذب بإنذار الرسل في دار الدنيا، وأشار لأن ذلك الإنصاف الكامل، والإعذار الذي هو قطع العذر علة لعدم التعذيب، فلو عذب إنسانًا واحدًا من غير إنذار لاختلت تلك الحكمة التي تمدح الله بها، ولثبتت لذلك الإنسان الحجة التي أرسل الله الرسل لقطعها؛ كما بينه بقوله: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ .. } الآية، وقوله: {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى (١٣٤)} كما تقدم إيضاحه.

وأجاب المخالفون عن هذا: بأنه لو سلم أن عدم الإنذار في دار الدنيا علة لعدم التعذيب في الآخرة، وحصلت علة الحكم التي هي عدم الإنذار في الدنيا، مع فقد الحكم الذي هو عدم التعذيب