وهذا تعليم عظيم من الله لنبيه لمكارم الأخلاق، وأنه إن لم يقدر على الإعطاء الجميل فليتجمل في عدم الإعطاء؛ لأن الرد الجميل خير من الإعطاء القبيح.
وهذا الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة، صرح به الله جل وعلا في سورة "البقرة" فى قوله: {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى} الآية. ولقد أجاد من قال:
إلا تكن ورق يوما أجود بها ... للسائلين فإني لين العود
لا يعدم السائلون الخير من خلقي ... إما نوالي وإما حسن مردودي
والآية الكريمة تشير إلى أنه - صلى الله عليه وسلم - لا يعرض عن الإعطاء إلا عند عدم ما يعطي منه، وأن الرزق المنتظر إذا يسره الله فإنه يعطيهم منه، ولا يعرض عنهم. وهذا هو غاية الجود وكرم الأخلاق.
وقال القرطبي: {قَوْلًا مَيْسُورًا (٢٨)} مفعول بمعنى الفاعل من لفظ اليسر كالميمون.
وقد علمت مما قررنا أن قوله:{ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ} متعلق بفعل الشرط الذي هو {تُعْرِضَنَّ} لا بجزاء الشرط.
وأجاز الزمخشري في الكشاف تعلقه بالجزاء وتقديمه عليه. ومعنى ذلك: فقل لهم قولًا ميسورًا ابتغاء رحمة من ربك، أي: يسر عليهم والطف بهم، لابتغائك بذلك رحمة الله. ورد ذلك عليه أبو حيان في "البحر المحيط" بأن ما بعد فاء الجواب لا يعمل فيما قبله. قال: لا يجوز في قولك: إن يقم فاضرب خالدًا = أن تقول: إن يقم خالدًا فاضرب. وهذا منصوص عليه - انتهى.