ونهيه - صلى الله عليه وسلم - عن البول في الماء الراكد، لا شك في أنه يدل على النهي عن البول في قارورة مثلًا، وصب البول من القارورة في الماء الراكد؛ إذ لا فرق يؤثر في الحكم بين البول فيه مباشرة، وصبه فيه من قارورة ونحوها، وأمثال هذا كثيرة جدًا، ولا يمكن أن يخالف فيها إلا مكابر. ولا شك أن في ذلك كله استدلالًا بمنطوق به على مسكوت عنه.
وكذلك نوع الاجتهاد المعروف في اصطلاح أهل الأصول "بتحقيق المناط" لا يمكن أن ينكره إلا مكابر، ومسائله التي لا يمكن الخلاف فيها من غير مكابر لا يحيط بها الحصر، وسنذكر أمثلة منها:
فمن ذلك قوله تعالى:{يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} فكون الصيد المقتول يماثله النوع المعين من النعم اجتهاد في تحقيق مناط هذا الحكم، نص عليه جل وعلا في محكم كتابه. وهو دليل قاطع على بطلان قول من يجعل الاجتهاد في الشرع مستحيلًا من أصله.
والإنفاق على الزوجات واجب، وتحديد القدر اللازم لابد فيه من نوع من الاجتهاد في تحقيق مناط ذلك الحكم. وقيم المتلفات واجبة على من أتلف، وتحديد القدر الواجب لابد فيه من اجتهاد.
والزكاة لا تصرف إلا في مصرفها، كالفقير ولا يعلم فقره إلا بأمارات ظنية يجتهد في الدلالة عليها بالقرائن؛ لأن حقيقة