نقفوا أمنا" أي: لا نقذف أمنا ونسبها، ومنه قول الكميت:
فلا أرمي البريء بغير ذنب ... ولا أقفوا الحواصن إن قفينا
وقول النابغة الجعدي:
ومثل الدمى ثم العرانين ساكن ... بهن الحياء لا يشعن التقافيا
والذي يظهر لنا أن أصل القفو في لغة العرب: الاتباع كما هو معلوم من اللغة. ويدخل فيه اتباع المساوئ كما ذكره من قال: إن أصله القذف والبهت.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (٣٦)} فيه وجهان من التفسير:
الأول: أن معنى الآية: أن الإنسان يسأل يوم القيامة عن أفعال جوارحه، فيقال له: لم سمعت ما لا يحل لك سماعه!؟ ولم نظرت إلى ما لا يحل لك النظر إليه!؟ ولم عزمت على ما لم يحل لك العزم عليه؟.
ويدل لهذا المعنى آيات من كتاب الله تعالى، كقوله: {وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٩٣)} وقوله: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٩٣)} ونحو ذلك من الآيات.
والوجه الثاني: أن الجوارح هي التي تسأل عن أفعال صاحبها، فتشهد عليه جوارحه بما فعل.
قال القرطبي في تفسيره: وهذا المعنى أبلغ في الحجة، فإنه يقع تكذيبه من جوارحه، وتلك غاية الخزي كما قال: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ