عليهم، وقاله الفراء. وقال مجاهد: لأحتوينهم. وقال ابن زيد: لأضلنهم.
قال القرطبي: والمعنى متقارب، أي: لأستأصلنهم بالإغواء والإضلال، ولأجتاحنهم.
قال مقيده -عفا الله عنه-: الذي يظهر لي في معنى الآية: أن المراد بقوله: {لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ} أي: لأقودنهم إلى ما أشاء، من قول العرب: احتنكت الفرس: إذا جعلت الرسن في حنكه لتقوده حيث شئت. تقول العرب: حنكت الفرس أحنكه من باب ضرب ونصر واحتنكته: إذا جعلت فيه الرسن؛ لأن الرسن يكون على حنكه. وقول العرب: احتنك الجراد الأرض، أي: أكل ما عليها من هذا القبيل؛ لأنه يأكل بأفواهه، والحنك حول الفم. هذا هو أصل الاستعمال في الظاهر، فالاشتقاق في المادة من الحنك، وإن كان يستعمل في الإسلاك مطلقًا والاستئصال، كقول الراجز:
أشكر إليك سنة قد أجحفت ... جهدًا إلى جهد بنا وأضفت
• واحتنكت أموالنا واجتلفت*
وهذا الذي ذكر جل وعلا عن إبليس في هذه الآية من قوله:{لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ. .} الآية، بينه أيضًا في مواضع أخر من كتابه، كقوله: {لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (١٦) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (١٧)} وقوله: {فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٢)} إلى غير ذلك من الآيات كما تقدم إيضاحه "في سورة النساء" وغيرها.