وأصحابه نحروا بالحديبية، وبعث الله ريحا فحملت شعورهم فألقتها في الحرم" وعقده أحمد البدوي الشنقيطي في نظمه للمغازي في غزوة الحديبية بقوله:
ونحروا وحلقوا وحملت ... شعورهم للبيت ريح قد غلت
قال ابن عبد البر في الاستذكار: فهذا يدل على أنهم نحروا في الحل. وتعقبه ابن حجر في فتح الباري، بأنه يمكن أن يكونوا أرسلوا هديهم مع من ينحره في الحرم، قال: وقد ورد في ذلك حديث ناجية بن جنب الأسلمي قال: قلت: يا رسول الله ابعث معي الهدي حتى أنحره في الحرم. أخرجه النسائي من طريق إسرائيل، عن مجزأة بن زاهر، عن ناجية، وأخرجه الطحاوي من وجه آخر عن إسرائيل، لكن قال: عن ناجية، عن أبيه. لكن لا يلزم من وقوع هذا وجوبه، بل ظاهر القصة أن أكثرهم نحر في مكانه وكانوا في الحل، وذلك دال على الجواز. والله أعلم. انتهى كلام ابن حجر.
وخالف في هذه المسألة أبو حنيفة -رحمه الله- الجمهور وقال: لا ينحر المحصر هديه إلا في الحرم، فيلزمه أن يبعث به إلى الحرم فإذا بلغ الهدي محله حل، وقال: إن الموضع الذي نحر فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من الحديبية من طرف الحرم، واستدل بقوله بعد هذه الآية:{وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} ورد هذا الاستدلال بما قدمنا من أنه نحر في الحل، وأن القرآن دل على ذلك، وأن قوله:{وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ} الآية معطوف على قوله: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} لا على قوله: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} أو أن