والقرينة الدالة على ذلك هي قوله تعالى:{ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ} إذ لو كان الأمر كما ذكره أصحاب القول الأول لكان ذلك أمرًا معتادًا مألوفًا، وليس فيه غرابة حتى يقال فيه {ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ}. وعلى هذا الوجه الذي ذكرناه أنه تشهد له القرينة المذكورة؛ فمعنى تزاور الشمس عن كهفهم ذات اليمين عند طلوعها، وقرضها إياهم ذات الشمال عند غروبها: هو أن الله يقلص ضوءَها عنهم، ويبعده إلى جهة اليمين عند الطلوع، وإلى جهة الشمال عند الغروب؛ والله جل وعلا قادر على كل شيء، يفعل ما يشاء. فإذا علمت هذا؛ فاعلم أن أصحاب القول الأول اختلفوا في كيفية وضع الكهف.
وجزم ابن كثير في تفسيره بأن الآية تدل على أن باب الكهف كان من نحو الشمال، قال: لأنه تعالى أخبر بأن الشمس إذا دخلته عند طلوعها تزاور عنه ذات اليمين، أي يتقلّص الفيءُ يَمْنة. كما قال ابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة: تزاور أي: تميل، وذلك أنها كلما ارتفعت في الأفق تقلص شعاعها بارتفاعها حتى لا يبقى منه شيء عند الزوال في ذلك المكان، ولهذا قال تعالى:{وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ} أي: تدخل إلى غارهم من شمال بابه وهو من ناحية الشرق، فدل على صحة ما قلناه. وهذا بين لمن تأمله، وكان له علم بمعرفة الهيئة وسير الشمس والقمر والكواكب.
وبيانه: أنه لو كان باب الغار من ناحية الشرق لما دخل إليه منها شيء عند الغروب. ولو كان من ناحية القبلة لما دخل إليه منها شيء عند الطلوع ولا عند الغروب. ولا تزاور الفيء يمينًا وشمالًا.