كرر في القرآن نهي نبيه - صلى الله عليه وسلم - عن أتباع مثل هذا الغافل عن ذكر الله المتبع هواه، كقوله تعالى: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا (٢٤)}، وقوله:{وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ .. } الآية، وقوله تعالى: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (٩) وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (١٠) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (١١) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (١٢) عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ (١٣)} إلى غير ذلك من الآيات.
وقد أمره في موضع آخر بالإعراض عن المتولين عن ذكر الله، والذين لا يريدون غير الحياة الدُّنيا، وبين له أن ذلك هو مبلغهم من العلم، وذلك في قوله تعالى: {فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (٢٩) ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ}.
وقوله في هذه الآية الكريمة:{مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ} يدل على أن ما يعرض للعبد من غفلة ومعصية، إنَّما هو بمشيئة الله تعالى؛ إذ لا يقع شيء البتة كائنًا ما كان إلَّا بمشيئته الكونية القدرية، جل وعلا، {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ .. } الآية، {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا} ، {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} ، {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى}، {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ .. } الآية، {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا} إلى غير ذلك من الآيات الدّالة على أن كل شيء من خير وشر، لا يقع إلَّا بمشيئة خالق السموات والأرض. فما يزعمه المعتزلة، ويحاول الزمخشري في تفسيره دائمًا تأويل آيات القرآن على نحو ما يطابقه من استقلال قدرة العبد وإرادته بأفعاله دون مشيئة الله = لا يخفى بطلانه، كما تدل عليه الآيات المذكورة آنفًا، وأمثالها في القرآن كثيرة.