للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (٢٩)} وهذا أصرح دليل على أن المراد التهديد والتخويف؛ إذ لو كان التخيير على بابه لما توعد فاعل أحد الطرفين المخير بينهما بهذا العذاب الأليم. وهذا واضح كما ترى.

وقوله في هذه الآية الكريمة: {أَعْتَدْنَا} أصله من الإعتاد، والتاء فيه أصلية وليست مبدلة من دال على الأصح؛ ومنه العتاد بمعنى العدة للشيء. ومعنى {أَعْتَدْنَا}: أرصدنا وأعددنا. والمراد بالظالمين هنا: الكفار؛ بدليل قوله قبله: {وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} وقد قدمنا كثرة إطلاق الظلم على الكفر في القرآن؛ كقوله: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (١٣)} ، وقوله تعالى: {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٥٤)} وقوله تعالى: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ (١٠٦)} ونحو ذلك من الآيات. وقد قدمنا أن الظلم في لغة العرب: وَضْع الشيء في غير محله، ومن أعظم ذلك وضع العبادة في مخلوق. وقد جاء في القرآن إطلاق الظلم على النقص في قوله: {وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيئًا} وأصل معنى مادة الظلم هو ما ذكرنا من وضع الشيء في غير موضعه، ولأجل ذلك قيل في الذي يضرب اللبن قبل أن يروب: ظالم؛ لوضعه ضرب لبنه في غير موضعه، لأن ضربه قبل أن يروب يضيع زبده. ومن هذا المعنى قول الشاعر:

وقائلة ظلمت لكم سقائي ... وهل يخفى على العكد الظليم

فقوله "ظلمت لكم سقائي" أي ضربته لكم قبل أن يروب. ومنه قول الآخر في سقاء له ظلمة بنحو ذلك: