النكال. ومعنى كونهم {مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ}: أنهم خائفون مما في ذلك الكتاب من كشف أعمالهم السيئة، وفضيحتهم على رءوس الأشهاد، وما يترتب على ذلك من العذاب السرمدي. وقولهم:{يَاوَيلَتَنَا} الويلة: الهلكة، وقد نادوا هلكتهم التي هلكوها خاصة من بين الهلكات فقالوا: يا ويلتنا! أي يا هلكتنا احضري فهذا أوان حضورك! وقال أبو حيان في البحر: المراد من بحضرتهم: كأنهم قالوا: يا من بحضرتنا انظروا هلكتنا. وكذا ما جاء من نداء ما لا يعقل كقوله:{يَاأَسَفَى عَلَى يُوسُفَ} ، {يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} ، {يَاوَيلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} ، وقوله:
يا عجبًا لهذه الفليقة.
فيا عجبًا من رحلها المتحمَّل.
إنما يراد به تنبيه من يعقل بالتعجب مما حل بالمنادى. انتهى كلام أبي حيان. وحاصل ما ذكره: أن أداة النداء في قوله: {يَاوَيلَتَنَا} ينادى بها محذوف، وأن ما بعدها مفعول فعل محذوف، والتقدير كما ذكره: يا من بحضرتنا انظروا هلكتنا. ومعلوم أن حذف المنادى مع إثبات أداة النداء، ودلالة القرينة على المنادى المحذوف مسموع في كلام العرب؛ ومنه قول عنترة في معلقته:
يا شاةَ ما قَنَصٍ لِمَن حلَّتْ له ... حَرُمَت عليَّ وليتها لم تَحْرُم
يعني: يا قوم انظروا شاة قنص. وقول ذي الرمة:
ألا يا اسلمي يا دارَمَيَّ على البِلَى ... ولا زال مُنْهَلًّا بِجَرْعانك القَطْر