لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإ مَسْنُونٍ (٢٨) فَإِذَا سَوَّيتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (٢٩)} ، وقال في "ص": {إِذْ قَال رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (٧١) فَإِذَا سَوَّيتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (٧٢)} ولا ينافي هذا أنه بعد وجود أدم جدد لهم الأمر بالسجود له تنجيزًا.
وقوله في هذه الآية الكريمة:{فَسَجَدُوا} محتمل لأن يكونوا سجدوا كلهم أو بعضهم، ولكنه بين في مواضع أخر أنهم سجدوا كلهم، كقوله: {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٣٠)} ونحوها من الآيات.
وقوله في هذه الآية الكريمة:{كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} ظاهر في أن سبب فسقه عن أمر ربه كونه من الجن. وقد تقرر في الأصول في "مسلك النص" وفي "مسلك الإيماء والتنبيه": أن الفاء من الحروف الدالة على التعليل، كقولهم: سرق فقطعت يده، أي لأجل سرقته. وسها فسجد، أي لأجل سهوه، ومن هذا القبيل قوله تعالى:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيدِيَهُمَا} أي لعلة سرقتهما. وكذلك قوله هنا:{كَانَ مِنَ الْجِنِّ} أي لعلة كينونته من الجن، لأن هذا الوصف فرق بينه وبين الملائكة، لأنهم امتثلوا الأمر وعصا هو. ولأجل ظاهر هذه الآية الكريمة ذهبت جماعة من العلماء إلى أن إبليس ليس من الملائكة في الأصل بل من الجن، وأنه كان يتعبد معهم، فأطلق عليه اسمهم لأنه تبع لهم، كالحليف في القبيلة يطلق عليه اسمها.
والخلاف في إبليس هل هو ملك في الأصل وقد مسخه الله شيطانًا، أو ليس في الأصل بملك، وإنما شمله لفظ الملائكة