للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَال (١٧) أتْبَعَ ذلك بقوله: {لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (١٨)}. ولا شك أن الذين استجابوا لربهم هم العقلاء الذين عقلوا معنى الأمثال، وانتفعوا بما تضمنت من بيان الحق. وأن الذين لم يستجيبوا له هم الذين لم يعقلوها، ولم يعرفوا ما أوضحته من الحقائق. فالفريق الأول: هم الذين قال الله فيهم: {وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا}، والفريق الثاني: هم الذين قال فيهم: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا } وقال فيهم: {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إلا الْفَاسِقِينَ}.

وقوله في هذه الآية الكريمة: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا} قال بعض العلماء: مفعول {صَرَّفْنَا} محذوف، تقديره: البينات والعبر. وعلى هذا فـ {مِن} لابتداء الغاية؛ أي: ولقد صرفنا الآيات والعبر من أنواع ضرب المثل للناس في هذا القرآن ليذكروا، فقابلوا ذلك بالجدال والخصام؛ ولذا قال: {وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيءٍ جَدَلًا} وهذا هو الذي استظهره أبو حيان في البحر، ثم قال: وقال ابن عطية يجوز أن تكون {مِن} زائدة للتوكيد؛ فالتقدير: ولقد صرفنا كل مثل؛ فيكون مفعول {صَرَّفْنَا}: {كُلِّ مَثَلٍ} وهذا التخريج هو على مذهب الكوفيين والأخفش، لا على مذهب جمهور البصريين. انتهى الغرض من كلام صاحب البحر المحيط. وقال الزمخشري: {مِن كُلِّ مَثَلٍ} من كل معنى هو كالمثل في غرابته وحسنه اهـ.