للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} أي ليذكروا ويتعظوا وينيبوا إلى ربهم؛ بدليل قوله: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا}، وقوله: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (٢١)} فلما أتبع ذلك بقوله: {وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيءٍ جَدَلًا (٥٤)}، علمنا من سياق الآية أن الكفار أكثروا الجدل والخصومة والمراء لإدحاض الحق الذي أوضحه الله بما ضربه في هذا القرآن من كل مثل. ولكن كون هذا هو ظاهر القرآن وسبب النزول لا ينافي تفسير الآية الكريمة بظاهر عمومها؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، كما بيناه بأدلته فيما مضى. ولأجل هذا لما طرق النبي - صلى الله عليه وسلم - عليًّا وفاطمة رضي الله عنهما ليلة فقال: "ألا تصليان"؟ وقال علي رضي الله عنه: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما أنفسنا بيد الله، فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا. انصرف النبي - صلى الله عليه وسلم - راجعًا وهو يضرب فخذه ويقول: {وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيءٍ جَدَلًا (٥٤)} والحديث مشهور متفق عليه. فإيراده - صلى الله عليه وسلم - الآية على قول علي رضي الله عنه "إنما أنفسنا بيد الله، فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا"، دليل على عموم الآية الكريمة، وشمولها لكل خصام وجدل، لكنه قد دلت آيات أخر على أن من الجدل ما هو محمود مأمور به لإظهار الحق، كقوله تعالى: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، وقوله تعالى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، وقوله: {جَدَلًا} منصوب على التمييز، على حد قوله في الخلاصة:

والفاعلَ المعنى انصِبْنَ بأفعلا ... مفضِّلًا كانت أعلى منزلًا

وقوله: {أَكْثَرَ شَيءٍ جَدَلًا (٥٤)} أي: أكثر الأشياء التي يتأتى منها الجدل جدلًا كما تقدم. وصيغة التفضيل إذا أضيفت إلى نكرة