للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوجهين أظهر عندي من الآخر.

الأول منهما: أن معنى الآية: وما منع الناس من الإيمان والاستغفار إذ جاءتهم الرسل بالبينات الواضحات، إلا ما سبق في علمنا: من أنهم لا يؤمنون، بل يستمرون على كفرهم حتى تأتيهم سنة الأولين، أي سنتنا في إهلاكهم بالعذاب المستأصل. أو يأتيهم العذاب قبلا. والظاهر أن {أَوْ} في هذه الآية مانعة خلو، فهي تجوز الجمع لإمكان إهلاكهم بالعذاب المستأصل في الدنيا كسنة الله في الأولين من الكفار، وإتيان العذاب إياهم يوم القيامة قبلًا. وعلى هذا القول فالآيات الدالة على هذا المعنى كثيرة جدًا، كقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (٩٧) وقوله: {وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (١٠١) وقوله تعالى: {إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (٣٧) وكقوله تعالى: {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٤١)}. والآيات في مثل هذا المعنى كثيرة.

القول الثاني: أن في الآية الكريمة مضافًا محذوفًا، تقديره: وما منع الناس من الإيمان والاستغفار إلا طلبهم أن تأتيهم سنة الأولين، أو يأتيهم العذاب قبلًا.

والآيات الدالة على طلبهم الهلاك والعذاب عنادًا وتعنتًا كثيرة جدًا، كقوله عن قوم شعيب: {فَأَسْقِطْ عَلَينَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٨٧) وكقوله عن قوم هود: {قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا