للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والآيات بمثل ذلك كثيرة. والقول الأول أظهر عندي؛ لأن ما لا تقدير فيه أولى مما فيه تقدير إلا بحجة يجب الرجوع إليها تثبت المحذوف المقدر. والله تعالى أعلم.

وقد ذكرنا في كتابنا (دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب) وجه الجمع بين قوله تعالى هنا: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إلا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ ... } الآية، وبين قوله تعالى: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إلا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا (٩٤)} بما حاصله باختصار: أن المانع المذكور في سورة "الإسراء" مانع عادي يجوز تخلفه؛ لأن استغرابهم بعث رسول من البشر مانع عادي يجوز تخلفه؛ لإمكان أن يستغرب الكافر بعث رسول من البشر ثم يؤمن به مع ذلك الاستغراب، فالحصر في قوله تعالى: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إلا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا (٩٤)} حصر في المانع العادي. وأما الحصر في قوله هنا: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إلا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا (٥٥)} فهو حصر في المانع الحقيقي؛ لأن إرادته جل وعلا عدم إيمانهم، وحكمه عليهم بذلك، وقضاءه به مانع حقيقي من وقوع غيره.

وقوله في هذه الآية الكريمة: {أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا} قرأه الكوفيون: وهم عاصم وحمزة والكسائي {قُبُلًا} بضم القاف والباء. وقرأه الأربعة الباقون من السبعة: وهم نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر (قِبَلًا) بكسر القاف وفتح الباء. أما على قراءة الكوفيين فقوله: {قُبُلًا} بضمتين جمع قبيل. والفعيل إذا