للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَينَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ ... } الآية. والآيات والأحاديث بمثل هذا كثيرة جدًّا. وقد بينا طرفًا من ذلك في سورة "بني إسرائيل" في الكلام على قوله: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (١٥)}. وبذلك تعلم أن ما يدعيه كثير من الجهلة المدعين التصوف؛ من أن لهم ولأشياخهم طريقًا باطنة توافق الحق عند الله ولو كانت مخالفةً لظاهر الشرع، كمخالفة ما فعله الخضر لظاهر العلم الذي عند موسى = زندقة، وذريعة إلى الانحلال بالكلية من دين الإسلام، بدعوى أن الحق في أمور باطنة تخالف ظاهره.

قال القرطبي رحمه الله في تفسيره ما نصه: قال شيخنا الإمام أبو العباس: ذهب قوم من زنادقة الباطنية إلى سلوك طريق لا تلزم منه هذه الأحكام الشرعية فقالوا: هذا الأحكام الشرعية العامة إنما يحكم بها على الأنبياء والعامة. وأما الأولياء وأهل الخصوص فلا يحتاجون إلى تلك النصوص؛ بل إنما يراد منهم ما يقع في قلوبهم. ويحكم عليهم بما يغلب عليهم من خواطرهم. وقالوا: وذلك لصفاء قلوبهم عن الأكدار، وخلوها عن الأغيار، فتتجلى لهم العلوم الإلهية، والحقائق الربانية، فيقفون على أسرار الكائنات، ويعلمون أحكام الجزئيات، فيستغنون بها عن أحكام الشرائع الكليات، كما اتفق للخضر فإنه استغنى بما تجلى له من العلوم عما كان عند موسى من تلك الفهوم. وقد جاء فيما ينقلون "استفت قلبك وإن أفتاك المفتون". قال شيخنا رضي الله عنه: وهذا القول زندقة وكفر، يقتل قائله ولا يستتاب؛ لأنه إنكار ما علم من الشرائع، فإن الله تعالى قد أجرى سنته، وأنفذ حكمته بأن