للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بأن المجاز في القرآن؛ زاعمين أن إرادة الجدار الانقضاض لا يمكن أن تكون حقيقة، وإنما هي مجاز. وقد دلت آيات من كتاب الله على أنه لا مانع من كون إرادة الجدار حقيقة؛ لأن الله تعالى يعلم للجمادات إرادات وأفعالًا وأقوالًا لا يدركها الخلق كما صرح تعالى بأنه يعلم من ذلك ما لا يعلمه خلقه في قوله جل وعلا: {وَإِنْ مِنْ شَيءٍ إلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} فصرح بأننا لا نفقه تسبيحهم وتسبيحهم واقع عن إرادة لهم يعلمها هو جل وعلا ونحن لا نعلمها. وأمثال ذلك كثيرة في القرآن والسنة.

فمن الآيات الدالة على ذلك؛ قوله تعالى: {وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} الآية. فتصريحه تعالى بأن بعض الحجارة يهبط من خشية الله دليل واضح في ذلك؛ لأن تلك الخشية بإدراك يعلمه الله ونحن لا نعلمه. وقوله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَينَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ .. } الآية. فتصريحه جل وعلا بأن السماء والأرض والجبال أبت وأشفقت، أي خافت؛ دليل على أن ذلك واقع بإرادة وإدراك يعلمه هو جل وعلا ونحن لا نعلمه.

ومن الأحاديث الدالة على ذلك ما ثبت في صحيح مسلم: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إني لأعرف حجرًا كان يسلم علَيَّ بمكة" وما ثبت في صحيح البخاري من حنين الجذع الذي كان يخطب عليه - صلى الله عليه وسلم - جَزَعًا لفراقه، فتسليم ذلك الحجر، وحنين ذلك الجذع كلاهما بإرادة وإدراك يعلمه الله ونحن لا نعلمه، كما صرح بمثله في قوله: