الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (٣٩)}، وقوله تعالى:{فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ} قال بعض العلماء: أطلق الملائكة وأراد جبريل. ومثل به بعض علماء الأصول للعام المراد به الخصوص قائلًا: إنه أراد بعموم الملائكة خصوص جبريل، وإسناد الفعل للمجموع مرادًا بعضه قد بيناه فيما مضى مرارًا.
وقوله في هذه الآية الكريمة:{اسْمُهُ يَحْيَى} يدل على أن الله هو الذي سماه، ولم يكل تسميته إلى أبيه. وفي هذا منقبة عظيمة ليحيى.
وقوله في هذه الآية الكريمة: {لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (٧)} اعلم أولًا أن السمي يطلق في اللغة العربية إطلاقين؛ الأول: قولهم: فلان سَمِيّ فلان أي: مسمى باسمه. فمن كان اسمهما واحدًا فكلاهما سمي الآخر أي مسمى باسمه.
والثاني: إطلاق السمِيّ يعني المسامي أي المماثل في السمو والرفعة والشرف، وهو فعيل بمعنى مفاعل من السمو بمعنى العلو والرفعة، ويكثر في اللغة إتيان الفعيل بمعنى المفاعل؛ كالقعيد والجليس بمعنى: المقاعد والمجالس. والأكيل والشريب بمعنى: المؤاكل والمشارب، وكذلك السمي بمعنى المسامي أي المماثل في السمو. فإذا علمت ذلك؛ فاعلم أن قوله هنا: {لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (٧)} أي: لم نجعل من قبله أحدًا يتسمى باسمه؛ فهو أول من كان اسمه يحيى. وقول من قال: إن معناه لم نجعل له سميًّا أي نظيرًا في السمو والرفعة، غير صواب؛ لأنه ليس بأفضل