تَكُ شَيئًا (٩)} أي: ومن خلقك ولم تك شيئًا فهو قادر على أن يرزقك الولد المذكور كما لا يخفى. وهذا الذي قاله هنا لزكرياء: من أنه خلقه ولم يك شيئًا؛ أشار إليه بالنسبة إلى الإنسان في مواضع أخر؛ كقوله: {أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيئًا (٦٧) .. } الآية، وقوله تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيئًا مَذْكُورًا (١)}.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {وَلَمْ تَكُ شَيئًا (٩)} دليل على أن المعدوم ليس بشيء؛ ونظيره قوله تعالى:{حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيئًا}، وهذا هو الصواب. خلافًا للمعتزلة القائلين: إن المعدوم الممكن وجوده شيء، مستدلين لذلك بقوله تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢)} قالوا: قد سماه الله شيئًا قبل أن يقول له كن فيكون، وهو يدل على أنه شيء قبل وجوده. ولأجل هذا قال الزمخشري في تفسير هذه الآية: لأن المعدوم ليس بشيء. أو ليس شيئًا يعتد به؛ كقولهم: عجبت من لا شيء. وقول الشاعر:
وضاقت الأرض حتى كان هاربهم ... إذا رأى غير شيءٍ ظنه رجلا
لأن مراده بقوله: غير شيء، أي إذا رأى شيئًا تافهًا لا يعتد به كأنه لا شيء لحقارته ظنه رجلًا؛ لأن غير شيء بالكلية لا يصح وقوع الرؤية عليه. والتحقيق هو ما دلت عليه هذه الآية وأمثالها في القرآن: من أن المعدوم ليس بشيء؟ والجواب عن استدلالهم بالآية: أن ذلك المعدوم لما تعلقت الإرادة بإيجاده، صار تحقق وقوعه كوقوعه بالفعل، كقوله:{أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ}، وقوله: