ممنوع من الكلام على سبيل خرق العادة، كما قدمنا في "آل عمران". أما ذكر الله فليس ممنوعًا منه بدليل قوله في "آل عمران": {وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (٤١)}. وقول من قال: إن معنى قوله تعالى: {ثَلَاثَ لَيَالٍ سَويًّا (١٠)} أي ثلاث ليال متتابعات؛ غير صواب، بل معناه هو ما قدمنا من كون اعتقال لسانه عن كلام قومه ليس لعلة ولا مرض حدث به؛ ولكن بقدرة الله تعالى وقد قال تعالى هنا:{ثَلَاثَ لَيَالٍ} ولم يذكر معها أيامها، ولكنه ذكر الأيام في "آل عمران"، في قوله:{قَال آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ} الآية. فدلت الآيتان على أنها ثلاث ليالي بأيامهن.
وقوله تعالى في هذه الآية:{أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ} يعني إلا بالإشارة أو الكتابة، كما دل عليه قوله هنا: {فَأَوْحَى إِلَيهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (١١)}، وقوله في "آل عمران": {قَال آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إلا رَمْزًا} الآية؛ لأن الرمز: الإشارة والإيماء بالشفتين والحاجب. والإيحاء في قوله:{فَأَوْحَى إِلَيهِمْ أَنْ سَبِّحُوا} الآية، قال بعض العلماء: هو الإشارة وهو الأظهر بدليل قوله: {إلا رَمْزًا} كما تقدم آنفًا. وممن قال بأن الوحي في الآية الإشارة: قتادة، والكلبي، وابن منبه، والقتيبي، كما نقله عنهم القرطبي وغيره. وعن مجاهد، والسدي {فَأَوْحَى إِلَيهِمْ} أي كتب لهم في الأرض. وعن عكرمة: كتب لهم في كتاب. والوحي في لغة العرب يطلق على كل إلقاء في سرعة وخفاء. ولذلك أطلق على الإلهام، كما في قوله تعالى:{وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} الآية. وعلى الإشارة كما هو الظاهر في قوله تعالى:{فَأَوْحَى إِلَيهِمْ أَنْ سَبِّحُوا} الآية. ويطلق على الكتابة كما هو القول الآخر في هذه الآية